كي يتيسر لنا فهم المسيحية الناشئة لابد لنا أن نطَّلع على أوضاع اليهودية في القرن الأول الميلادي، لذا ستكون هذه المقالة بمثابة نظرة سريعة متواضعة لهذه الأوضاع...
سينقسم بحثنا على العناوين التالية:
- مقدمة
-الشتات
-المجمع والهيكل
-الشيع اليهودية في أيام الرب يسوع
مقدمة:
كما نعرف فالمسيحية نشأت من أرض اسرائيل، التي كانت بدورها محكومة لعدة قرون من أجانب: فرس واليونان ثم الرومان، الذين جعلوا اسرائيل دولة تابعة لروما على عهد هيرودس الكبير (34-4)ق.م ، ثم إقليماً من أقاليم الإمبراطورية (56)م
بينما كانت السلطة المحلية اليهودية هي السنهدرين -وهو مجلس قضاء أعلى لجميع اليهود-
أما الشعب اليهودي فكان ينقسم من حيث الإقامة إلى: 1-يهود يقيمون داخل اسرائيل و 2- يهود الشتات
الشتات:
كان هناك هجرة مستمرة لليهود خارج اسرائيل، بسبب ضيق الأراضي وحيوية العرق، حيث كان عدد يهود الشتات المقيمين خارج اسرائيل أكبر من عدد سكانها،وكانوا يسكنون حول حوض البحر المتوسط وحتى ما وراء الحدود الشرقية للإمبراطورية، في المراكز الكبرى كلها لاسيما في الاسكندرية بأعداد كبيرة ، لدرجة أننا إن لم نلتفت إلا الى الأرقام، فسنجد أن العاصمة المصرية هي حاضرة اليهود الحقيقية، إلا أن أورشليم وهي العاصمة الوطنية والدينية بقية مصدر الإشعاع بما تمثله من أهمية سياسية من جهة ودينية منجهة أخرى، لوجود الهيكل داخلها..
مع العلم أنه بالإضافة لكون الهيكل مكان الصلاة والوعظ، هو أيضاً المكان الذي يمنع تقديم ذبيحة خارجه، فبسبب بعد يهود الشتات عنه، نشأت المجامع كي تكون بمثابة التعويض .
المجمع والهيكل:
في حين كان يهود الشتات يرسلون العشور للهيكل، تعذر عليهم الإجتماع فيه للصلاة أو لتقديم الذبائح وما إلى ذلك بسبب بعدهم، فكانت المجامع هيي البديل المناسب ليهود الشتات وحتى ليهود الأرياف.
الجدير بالذكر أن المؤرخين لازالوا يتناقشون في جذور المجمع ، نشأته متى وأين، لكن مهما يكن من الأمر لابد من أن المجمع لبى أحتياج يهود الشتات، كيف لا وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه، يصلون، يتلون المزامير و قطع من الأسفار المقدسة بينما يعلق عليها ويشرحها الرابينيّون -وهم الذين يرئِسون العبادة-
إلا أن أمر المجامع امتد إلى أبعد من ذلك، فبعدما كان الهدف منه تلبية احتياجات يهود الشتات الدينية، أصبح مكملاً للهيكل، فبسبب طقوس الهيكل الذبائحية لم يبقى مكان لخدمة الكلمة، لذا أصبحنا نرى العديد من المجامع في أورشليم نفسها أيضاً..
مما أدى إلى انعكاس نوع من التنافس الذي أنعكس بالطبقة الكهنوتية ومعلمي الشريعة(الرابينيون) و ازداد يوماً فيوماً..
الشيع اليهودية في أيام الرب يسوع:
يقول الاستاذ: مرسال سيمون استاذ في جامعة ستراسبورغ (الفرع الثاني):
"إن وحدة العالم اليهودي ، المبنية على الإيمان بالاله الواحد وعلى حفظ الشريعة الأخلاقية والطقسية ، إلى جانب الاقتناع بأن إسرائيل هو شعب الله المختار ، كانت ولا شك متينة جدا . إلا أنها كانت ترضي باختلافات ملحوظة في العقيدة والممارسة . لأن العقيدة كانت مقصورة على بعض التأكيدات الأساسية التي من شأنها بالتالي أن تحدد وتحسن بطرق شتى . أما الممارسة ، ومهما تعددت أحكامها ، فإنها تبقى مثارا للجدل : لأن الكتاب المقدس لم ينص على جميع الحالات الخاصة التي قد تطرأ على أي يهودي ورع . فمِن كلا الناحيتين على السواء ، كانت الزيادات التي يرغب فيها بعضهم ويدونها ، ويرفضها بعضهم الآخر ممكناً إضافتها إلى النص المكتوب الآخر"
وهذا ما يفسر نشوء الشيع اليهودية، التي سنذكر أهم أربعة منها، تبعاً للمؤخ اليهودي: فلافيوس يوسيفس، الذي ذكر :
الصدوقييون - الفريسييون - الغيورون - الأسينيّون
حيث أنه لم يخفي انتمائه للفريسية و نفوره من الغيورين و إعجابه بالأسينيّن
وفيما يلي سنتناول أهم الصفات لكل شيعة:
الصدوقيون :
- يمثلون الأرستقراطية الكهنوتية
- يتميزون بالحرص على حفظ النظام الداخلي وبالتالي التواطؤ مع المحتل الروماني معترضين كل اضطراب سياسي وديني وبالتالي كل تحرك مسيحي
- هم كبارالزعماء الذين عارضوا المسيح يسوع والمحرضين على قرار الحكم الذي أصدره بيلاطس
- محافظين في الدين يرفضون كل ما يتعدى نص الكتاب المقدس المدون
- من المرجح أنه كانوا يرفضون أحدث النصوص الدينية
- كتب فلافيوس أنهم كانوا ينكرون الحياة الأخرى كما ذكر العهد الجديد أنهم كانوا ينكرون القيامة ولا يؤمنون بوجود ملائكة
- كانوا يعتبرون الاعتقاد بوجود ملائكة والأفكار الماورائية تجديداً في اليهودية بالنسبة لديانة اسرائيل القديمة
الفريسيون :
- بالعبرية : "فروشيم" ومعناه المنفصلين، يوحي أسمهم بأنهم تكتلوا بادئ الأمر -غداة ثورة المكابيين- في مجموعة متشددة منطوية على نفسها
- خروجوا تدريجياً من عزلتهم، حتى بعد أن دمرت أورشليم عام(70)م وقضت الأحداث على النزاعات الأخرى غدت الفريسية واليهودية شيء واحد
- كانوا يمثلون نوع من الطبقة المتوسطة
- وصفهم الإنجيل بأنهم مراؤون ومتمسكون بالشكليات ومدققون في أصغرالأمور ولشدة تمسكهم بحرف الشريعة كانوا يخنقون روحها
- كانوا هم قادة الشعب الروحيين أيام الرب يسوع وليس الصدوقيين
- اليهودية مدينة ببقائها إلى أيامنا هذه للفريسيين الذين كانوا يستندون للمجمع
- يولون وجود الملائكة أهمية كبيرة
- ينتظرون القيامة آخر الأزمنة
- تم تدوين تعليمهم في المنشة والتلمود
الغيورون:
- نشأت هذه الشيعة عندما أصبحت اليهودية اقليماً رومانياً
- يتخذون أعضائهم من طبقات الشعب الأشد بؤساً
- يتميزون بقومية عدائية تناهض بعنف ذلك الإحتلال الروماني الذي يريدون أن يستبدلوه بالحكم الإلهي الحقيقي
- يذكر فلافيوس أنهم يتفقون مع الفريسيين على مسائل التعليم والممارسة كلها
- المجموعات المتعصبة جداً تنصب الكمائن على الطرقات مستخدمين الخناجر ضد الوثنيين المقيمين في الأراضي المقدسة
- رأى العديد من المؤلفين المعاصرين تشابهات جلية بين الغيورين والمسيحية الناشئة حتى أنهم جعلوا من يسوع محرضاً سياسياً من نمط الغيورين
- وجود أحد التلاميذ باسم سمعان الغيور على ما يبدو لأنه كان ينتمي الى تلك الفئة من محيط المعلم : فإن كلمة غيور عاى الأرجع تعني غيور تائب
- يبدو أن التلاميذ الأولين الآتين من بيئة مشبعة بروح الغيورية قد استمالتهم هذه الروح ، الا أن يسوع لطالما اتخذ مواقف من هذه الحركة لشجبها
الأسّينيّون:
- يبدو أن بدايات هذه الشيعة مثل الفريسية مرتبط بثورة المكابيين
- إلا أن الأسينيون استمروا في الإنفصال الإختياري خلافاً للفريسيين
- انتظموا في نظام ديري حقيقي وخضعوا لقوانين صارمة وعاشوا عيشة جماعية كلنوا يوزعونها بين بين العمل اليدوي و التمارين الروحية
- كانوا يتلقون تعليماً باطنياً لا يمكن لأي دنيوي أن يحصل عليه
- كانوا يعتبرون أنفسهم اسرائيل الحقيقي و الوحيد
- يكرهون الوثنيين النجسين وجماهير اليهود على السواء
- عانت الإضطهاد بسبب ممارسات سلطات أورشليم ، كما مات أيضاً "معلم البر" الغامض شهيداً وهو من أعطى الحركة شكلها النهائي
- كانوا يعيشون هانئين في مطلع العصر المسيحي
- كان فلافيوس شديد الاعجاب بهم كمان ذكرنا
- يعيشون على هامش طقوس الهيكل التي دنستها في نظرهم كهنوت غير مستحق
- يحتفلون فيما بينهم بطقوس لا يشترك فيها إلا المطلعون على أسرارهم
- تقويمهم يخالف تقويم أورشليم
- كان أدب الأسينيّن يضم أسفار الكتاب المقدس القانونية إضافة إلى مؤلفات أخرى مختلفة، مثل سفر اليوبيلات وسفر أخنوخ ووصايا الآباء الإثني عشر ..
- التناقض الجذري القائم بين الجسد و الروح الذي كان يقول به الأسينيون لم يتفق تماماً مع الدين اليهودي الرسمي
- كانت هذه الشيعة تزايد على الفريسيين في شأن الغيرة على الشريعة و الطهارة الطقسية
- أبتعد بعضهم عن المثال المسالم الذي كانوا عليه و شاركوا في ثورة (66)م
- بفضل مخطوطات البحر الميت استطعنا إكمال المعلومات التي أوردها عنهم مؤرخون أمثال فلافيوس.
إلى هنا أعزائي نكون قد تعرفنا على المجمع والهيكل والشتات والشيع اليهودية ، لنلتقي سوية بمقالات قدمة
كل الحب
مصدر هذه المقالة من سلسلة تاريخ الكنيسة المفصل/ الجزء الأول
ليكن لمجد الله